‏دثروني دثروني ..!
فتقول له زوجه خديجة :
والله لا يخزيك الله أبدا
ويقول له عمه :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ..
حتى أوسد في التراب دفينا

في عام واحد يموت عمه أبو طالب وبعد أيام تموت الحبيبة خديجة فينهار الحصن ويغيب الحضن

لم يصدقه أحد ...
فهام على وجهه ولم يفق إلا في قرن الثعالب
أكثر من ٥٠ كيلو متر يقطعها ﷺ وقد غشيه الهم في حالة من غياب الزمان والمكان
يركب بعد ذلك على ظهر البراق في رحلة يقطع بها أقطار الأرض ومعارج السماء ثم يعود من ليلته
ولم يصدقه إلا القليل ..
تمر الأيام وهو من بلاء في بلاء ..

هكذا كانت بعض أحواله في مكة 🕋

أما في يثرب فقد حصد يوم بعاث أكابر أهلها وأنهكتهم الحرب وفرقت شملهم وبددت سيادتهم ..
فكانت أحوج ما تكون إلى جبل يعصمها من غرق الفناء
اختار الله يثرب لتكون مهجر نبيه ﷺ وبدأ المهاجرون يتوافدون إليها ويستقبلهم الأنصار بقلوبهم قبل بيوتهم

حانت ساعة الصفر .. ⏳️
تجهز رسول الله ﷺ مع صاحبه أبي بكر للهجرة سيبقى علي في مكة ليرد الأمانات لأصحابها وينام على فراش الفداء مكان رسول ﷺ
يخرج رسول الله ﷺ مع صاحبه ويلتفت إلى مكة في نظرة وداع إلى لقاء
كانت هذه الخطوات الأولى في الهجرة خطوات غيرت الجغرافيا وأعادت صياغة التاريخ وكتبت شهادة ميلاد جديدة للإنسانية

يلجأ إلى غار ثور يمكث فيه ثلاثة أيام تشق أسماء نطاقها لتربط به زاد الهجرة ويتردد أخوها عبد الله بالأخبار إلى نزلاء الغار
يقترب المشركون فيخاف الصديق ليس منهم بل على صاحبه فيرد بثبات
( لا تحزن إن الله معنا )

ينطلق الرسول ﷺ وصاحبه يدلهم عبدالله ابن الأريقط باتجاه يثرب
يسلك ﷺ طرقا غير مألوفة ليغيب عن عيون قريش
سار كما يسير الناس وهاجر كما يهاجرون يركب تارة ويمشي تارة

هذه المرة لم يظهر البراق فيطوي بخطوته المسافات
أين البراق ولماذا غاب الآن ؟

يصل الرجل الأعظم إلى قباء يوم الاثنين ١٢ من ربيع الأول وهو نفس موعد مولده - على الأغلب - ليكون موعد مولد أهل يثرب جميعا وهو نفس موعد مبعثه ومعراجه وموته ﷺ
يبني هناك المسجد ويصلي فيه ويمكث ١٤ ليلة يغادرها يوم الجمعة
يصلي أول جمعة في وادي رانوناء في مسجد سمي بمسجد الجمعة
يقترب الحبيب من يثرب يخرج رجالها ونساؤها كبارها وصغارها وليس فيهم صغير فكلهم أكابر
ويصعد الناس أسطح المنازل ليشرفوا على رؤية الحدث الأهم والرجل الأجل في تاريخ البشرية واللحظة الحاسمة .. وبداية لنهاية الأشواق والأحزان والآلام وتضج يثرب بالترحيب والتكبير

اختار الله يثرب لحصانتها الجغرافية فالحرات تحيط بها من ثلاث جوانب والنخيل وكثافة الزروع تحول بينها وبين أي جيش منظم أو عدو متطفل
وأهلها من الأوس والخزرج أهل نخوة ومروءة وإباء أهل حرب ودهاء ولم يخضعوا قط ولم يدفعوا الإتاوة لأحد .. عاشوا متبوعين لا تابعين

بنى رسول ﷺ المسجد وأسس الدولة وسن الأنظمة وخطط العمران وأقام السوق وبنى حضارة لم تعرفها البشرية لأن ناطحات السحاب فيها لم تكن اسمنتية بل كانت نفوسا بشرية

غير الله ورسوله ﷺ اسم يثرب إلى طابة وطيبة والمدينة
المدينة أهلها تبوؤوا الدار والإيمان أهلها كما قال ربنا ( يحبون من هاجر إليهم ) ومازالوا وسيظلون يحبون من يزورهم ويكرمونه ويحتفون به ويؤثرونه على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

(( هناك في مكة وهنا في المدينة ))
تذوب الاختلافات فلا مكان لأنا وأنت وهو فالجميع يقول .. نحن ..
تجمعهم قبلة محددة وعقيدة موحدة وشريعة واحدة

تتشابه القلوب وإن اختلفت الألوان واللغات والمواطن

من المدينة كانت أولى الخطوات إلى بيت الله الحرام
من هنا انطلق ﷺ معتمرا أربع مرات
عمرة الحديبة وعمرة القضاء وعمرة حجة الوداع وعمرة الجعرانة
من هذا المكان انطلق من هذه البقعة المباركة التي دعا لها ببركة مدها وصاعها وهوائها كانت أول عمرة و الحجة الوحيدة له
من هنا حيث يأرز الإيمان إلى المدينة
والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون

ويكفي أن فيها محمد ﷺ وزوجاته وأصحابه وما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة
فيها وادي العقيق المبارك وقباء السباق والبقيع محضن الأبطال هنا سيد الشهداء وصحبته هنا جبل أحد الذي يحبنا ونحن والله نحبه هنا الخندق وبدر وجبل الرماة هنا السقيفة وبئر رومه ومسجد الوادي والقبلتين هنا الغرفات هنا الوقفات هنا الرحمات هنا الأمجاد هنا رائحة التراث وصناديق الموروث هنا الماضي الذي يشرق به المستقبل

لم يظهر البراق في طريق الهجرة لأن المهاجر الأعظم كان موعودا بالنصر ولأننا من بعده موعودون بالأمن
دعا إبراهيم عليه السلام لمكة رب اجعل هذا البلد آمنا ودعا رسولنا الكريم ﷺ للمدينة وقال والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب والظعينة لا تخشى إلا الله

أمن من الله وأمان ..
في عهد خادم الحرمين سلمان 🇸🇦


‏واليوم نشهد يا رسول الله
أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت للأمة وجاهدت في الله حق جهاده

الآن يا رسول الله مكة المكرمة وطيبة الطيبة تتزاحم عليهما الأفئدة من كل مكان
لا يخشون إلا الله كما وعدت ...
آمنون بلا غار يلجؤون إليه
واصلون بلا دلالة ابن الأريقط لهم
يأكلون ويشربون دون أن تشق لهم أسماء نطاقها
يلبسون البياض لتبيض قلوبهم في مكة كما ولدتهم أمهاتهم
ويشدون رحالهم لمسجدك يزورونك ويسلمون عليك ويقتدون بك ويصلون عليك ويشتاقون إليك

وما بين قوله دثروني دثروني ...
وبين أن كشف الستار في مرض موته وابتسم ابتسامة الرضا والاطمئنان وهو يرى الناس يصلون خلف أبي بكر وقد أبرأ الذمة وأتم المهمة
ما بين تلك الكلمة وهذه اللقطة
٢٣ سنة مليئة بما يجعلنا نأخذ من حياته ما نصلح به حياتنا ...

صلوا عليه وسلموا تسليما ⚘️

https://www.snapchat.com/add/ybh100?share_id=c-bxg01KJeM&locale=ar-AE


أسعد بكم حسابي في سناب شات

صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم.pdf